”فَلاَ يَسْتَحِيَنَّ أَحَدٌ بِرُمُوزِ خَلاَصِنَا الْمُكَرَّمَةِ وَرُؤُوسِ كُلِّ خَيْرٍ الَّتِي بِهَا نَحْنُ أَحْيَاءٌ أَيْضًا وَبِهَا نَحْنُ أَيْضًا بَلْ كَإِكْلِيلٍ فَلْنَحْمِلْ صَلِيبَ الْمَسِيحِ. نَعَمْ، لأَنَّهُ بِهِ تُصْنَعُ كُلُّ الأَشْيَاءِ الَّتِي تُصْنَعُ فِينَا... فَعَلَى الْبُيُوتِ وَالْجُدْرَانِ وَالنَّوَافِذِ وَعَلَى جِبَاهِنَا وَعَلَى أَذْهَانِنَا نَنْقُشُهُ بِعِنَايَةٍ كَثِيرَةٍ... لأَنَّ خَلاَصَنَا الْمَصْنُوعَ لَنَا وَحُرِّيَّتَنَا الْمُشْتَرَكَةَ وَصَلاَحَ رَبِّنَا هُوَ الْعَلاَمَةُ.
لأَنَّهُ كَشَاةٍ سِيقَ إِلَى الذَّبْحِ كَشَاةٍ... وَمَتَى وَقَّعْتَ نَفْسَكَ فَفَكِّرْ فِي قَصْدِ الصَّلِيبِ وَأَطْفِءِ الْغَضَبَ وَسَائِرَ الأَهْوَاءِ... لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ، يَقُولُ: بِثَمَنٍ، فَلاَ تَكُونُوا عَبِيدَ النَّاسِ... لأَنَّهُ لَيْسَ بِمُجَرَّدِ الأَصَابِعِ يَنْبَغِي أَنْ تَنْقُشُوهُ، بَلْ قَبْلَهُ بِقَصْدِ الْقَلْبِ بِإِيمَانٍ كَثِيرٍ... لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا عِنْدَ رُؤْيَةِ الأَمَاكِنِ الَّتِي تُقْطَعُ فِيهَا رُؤُوسُ الْمُجْرِمِينَ نَرْتَعِدُ، فَفَكِّرُوا فِيمَا يَجِبُ أَنْ يَتَحَمَّلَهُ إِبْلِيسُ وَهُوَ يَرَى السِّلاَحَ الَّذِي بِهِ أَبْطَلَ الْمَسِيحُ كُلَّ قُوَّتِهِ...
فلا تخجل إذن من هذه النعمة العظيمة لئلا يخجل منك المسيح... لأَنَّ الصَّلِيبَ يَأْتِي حِينَئِذٍ نَاطِقاً بِصَوْتٍ بِظُهُورِهِ... هَذِهِ الْعَلاَمَةُ فِي أَيَّامِ آبَائِنَا الأَوَّلِينَ وَالآنَ قَدْ فَتَحَتْ أَبْوَابًا كَانَتْ مَفْتُوحَةً... فَانْقُشْ هَذَا إِذًا عَلَى ذِهْنِكَ وَاعْتَنِقْ خَلاَصَ نُفُوسِنَا. لأَنَّ هَذَا الصَّلِيبَ خَلَّصَ الْعَالَمَ وَحَوَّلَ الْعَالَمَ، وَأَبْعَدَ الضَّلاَلَةَ، وَأَعَادَ الْحَقَّ، وَجَعَلَ الأَرْضَ سَمَاءً، وَصَنَعَ النَّاسَ مَلاَئِكَةً.
وَبِسَبَبِهِ لَمْ تَعُدِ الشَّيَاطِينُ رَهِيبَةً بَلْ مُحْتَقَرَةً، وَلاَ الْمَوْتُ مَوْتًا بَلْ نَوْمًا. فَإِنْ قَالَ لَكَ أَحَدٌ: أَتَسْجُدُ لِلْمَصْلُوبِ! فَقُلْ بِصَوْتِكَ كُلِّهِ فَرَحٌ وَوَجْهُكَ مُبْتَهِجٌ: ”أَنَا أَسْجُدُ لَهُ كِلْتَاهُمَا، وَلَنْ أَكُفَّ عَنِ السُّجُودِ“. وَإِنْ كَانَ يَضْحَكُ فَابْكُوا عَلَيْهِ لأَنَّهُ مَجْنُونٌ... وَلَكِنْ لِنَصْرُخْ بِصَوْتٍ جَهْوَرِيٍّ، صَارِخِينَ بِصَوْتٍ عَالٍ وَعَالٍ مَعًا وَنَصْرُخْ وَنَقُلْ (وَإِنْ كَانَ جَمِيعُ الأُمَمِ حَاضِرِينَ فَبِالْحَرِيِّ بِثِقَةٍ أَكْثَرَ) أَنَّ الصَّلِيبَ مَجْدُنَا وَجِمَاعُ كُلِّ بَرَكَتِنَا وَثِقَتُنَا وَكُلُّ إِكْلِيلِنَا“.

القديس يوحنا الذهبي الفم

”لاَ يَيْأَسْ إِذًا أَحَدٌ مِمَّنْ يَعِيشُ فِي الرَّذِيلَةِ، وَلاَ يَيْأَسْ مَنْ يَعِيشُ فِي الْفَضِيلَةِ. لاَ يَكُنْ هَذَا الأَخِيرُ وَاثِقًا لأَنَّ الزَّانِيَةَ كَثِيرًا مَا تَعْبُرُهُ، وَلاَ يَيْأَسِ الآخَرُ لأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْبُرَ الأَوَّلَ أَيْضًا. اسْمَعْ مَا قَالَهُ اللهُ لأُورُشَلِيمَ: ”قُلْتُ بَعْدَ أَنْ ارْتَكَبَتْ كُلَّ هَذِهِ الزِّنَا: ارْجِعِي إِلَيَّ فَلَمْ تَرْجِعْ“. مَتَى رَجَعْنَا إِلَى مَحَبَّةِ اللهِ الْجَادَّةِ لاَ يَتَذَكَّرُ الأُمُورَ السَّابِقَةَ. لَيْسَ اللهُ كَالإِنْسَانِ، لأَنَّهُ لاَ يُعَاتِبُنَا بِمَا مَضَى. فَلْنَلْتَصِقْ بِهِ جَادِّينَ.
مِنْ أَجْلِ هَذَا أَقُولُ: لاَ يَيْأَسْ مَنْ هُوَ فِي الرَّذِيلَةِ وَلاَ يَكُنْ فِي الْفَضِيلَةِ وَاثِقًا. لِلْوَاحِدِ يَقُولُ: ”مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ قَائِمٌ فَلْيَنْتَبِهْ لِئَلاَّ يَسْقُطَ“، وَلِلآخَرِ: ”أَلاَ يَقُومُ مَنْ يَسْقُطُ فَيَرْفَعُ الْيَدَيْنِ الْمُتَدَلِّيَتَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ الضَّعِيفَتَيْنِ“.
لِلْوَاحِدِ يَقُولُ: ”هَا أَنْتَ قَدْ صِرْتَ صَحِيحاً فَلاَ تُخْطِئْ أَيْضاً لِئَلاَّ يَحْصُلَ لَكَ مَا هُوَ أَشَدُّ، وَلِلثَّانِي: “هَلْ تَصِيرُ صَحِيحاً؟ قُمْ وَاحْمِلْ سَرِيرَكَ وَاذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ. فَالْخَطِيَّةُ مِثْلُ الشِّقْوَةِ وَالْخُمُولِ وَفِعْلِ الشَّرِّ. وَلَكِنْ إِنْ قُمْنَا تَنْتَهِي جَمِيعُ الأَهْوَالِ.
لاَ تَقُلْ: ”بَيْنَمَا أَنَا آتٍ يَنْزِلُ آخَرُ أَمَامِي“. إِنْ كَانَتْ مَشِيئَتُكَ، فَلَيْسَ أَحَدٌ يَمْنَعُكَ. النِّعْمَةُ يَنْبُوعٌ يَنْبُعُ دَائِمًا، وَبِامْتِلاَئِهِ نَشْفِي. فَلْنَأْتِ إِلَيْهِ الآنَ. لأَنَّ رَاحَابَ كَانَتْ بَغِيًّا فَخَلَصَتْ، وَالسَّارِقَ الْقَاتِلَ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْفِرْدَوْسِ. هَكَذَا الْمَجُوسِيُّ صَارَ مَجُوسِيًّا، وَالْعَشَّارُ صَارَ مُبَشِّرًا، وَالْمُجَدِّفُ رَسُولاً“.

القديس يوحنا الذهبي الفم، العظة السابعة والستون في إنجيل متى